المادة    
قال المصنف رحمه الله:
[فالله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه؛ فيثيبه، وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه؛ فيعذبه، فإنما يُعذبه؛ لأنه لا يفعل مع القدرة، وقد علم الله ذلك منه، ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يعذبه على ما لم يستطعه.
وإذا قيل: فيلزم أن يكون العبد قادراً على تغيير علم الله؛ لأن الله علم أنه لا يفعل، فإذا قدر على الفعل قدر على تغيير علم الله.
قيل: هذه مغالطة، وذلك أن مجرد مقدرته على الفعل لا تستلزم تغيير العلم، وإنما يظن من يظن تغيير العلم إذا وقع الفعل، ولو وقع الفعل لكان المعلوم وقوعه لا عدم وقوعه، فيمتنع أن يحصل وقوع الفعل مع علم الله بعدم وقوعه، بل إن وقع كان الله قد علم أنه يقع، وإن لم يقع كان الله قد علم أنه لا يقع، ونحن لا نعلم علم الله إلا بما يظهر، وعلم الله مطابق للواقع، فيمتنع أن يقع شيء يستلزم تغيير العلم، بل أي شيء وقع كان هو المعلوم، والعبد الذي لم يفعل لم يأت بما يغيّر العلم، بل هو قادر على فعلٍ لم يقع، ولو وقع لكان الله قد علم أنه يقع، لا أنه لا يقع.
وإذا قيل: فمع عدم وقوعه يعلم الله أنه لا يقع، فلو قدر العبد على وقوعه قدر على تغيير العلم.
قيل: ليس الأمر كذلك، بل العبد يقدر على وقوعه وهو لم يوقعه، ولو أوقعه لم يكن المعلوم إلا وقوعه، فمقدور العبد إذا وقع لم يكن المعلوم إلا وقوعه، وهؤلاء فرضوا وقوعه، مع العلم بعدم وقوعه! وهو فرض محال، وذلك بمنزلة من يقول: افرض وقوعه مع عدم وقوعه! وهو جمع بين النقيضين.
فإن قيل: فإذا كان وقوعه مع علم الرب بعدم وقوعه محالاً لم يكن مقدوراً؟ قيل: لفظ المحال مجمل، وهذا ليس محالاً لعدم استطاعته له، ولا لعجزه عنه، ولا لامتناعه في نفسه، بل هو ممكن مقدور مستطاع، ولكن إذا وقع كان الله عالماً بأنه سيقع، وإذا لم يقع كان عالماً بأنه لا يقع، فإذا فرض وقوعه مع انتفاء لازم الوقوع صار محالاً من جهة إثبات الملزوم بدون لازمه، وكل الأشياء بهذا الاعتبار هي محال!
ومما يُلزم هؤلاء: ألا يبقى أحد قادراً على شيء؛ لا الرب ولا الخلق، فإن الرب إذا علم من نفسه أنه سيفعل كذا لا يلزم من علمه ذلك انتفاء قدرته على تركه، وكذلك إذا علم من نفسه أنه لا يفعله لا يلزم منه انتفاء قدرته على فعله، فكذلك ما قدره من أفعال عباده، والله تعالى أعلم]
اهـ.
  1. الرد على قول المعتزلة: إنه يلزم من إثبات علم الله السابق لأفعال العباد تغيير العبد لعلم الله

  2. تناقض المعتزلة في إنكارهم العلم